فصل: الطبقة الثانية من يكتب له من أهل المملكة الحلبية في قطع العادة مفتتحاً برسم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا **


  الطبقة الثانية من يكتب له في قطع الثلث بالمجلس السامي

وفيها وظائف الوظيفة الأولى نيابة القلعة بها وهذه نسخة مرسومٍ شريفٍ بنيابة قلعة حلب‏:‏ الحمد لله معلي قدر من تحلى بالأمانة والصون ورافع مكانة من كان فيما عرض من العوارض نعم العون ومؤهل من أرشدنا إليه للاجتباء حسن الاختبار ومبلغ الإيثار من شكرت عنه محامد الآثار‏.‏

نحمده حمد الشاكرين ونشكره شكر الحامدين ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة مخلصٍ في اعتقاده مبرإٍ من افتراء كل جاحدٍ وإلحاده ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أرسله بالحق بشيراً ونذيراً وأيده بسلطانٍ منه وطهر به الأرض من دنس الضلال تطهيراً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاةً لا يزال علم العلم بها منشوراً وسلم تسليماً كثيراً‏.‏

وبعد فإن العناية بالحصون توجب أن لا يختار لها إلا من هو مليٌّ بحفظها موفر لها من حسن الذب غاية حظها حسن المرابطة مبرأٌ من دنس الأفعال الساقطة ذو قلبٍ قويٍّ وقالب وعزمٍ ما زال لمهمات الأمور أشجع مغالب إذ هو للمرابطين بها أوثق حرزٍ حريز وأصون حجابٍ لمبارزة ذوي التبريز فتصبح به مستوراً عوارها كاتمةً لأسرارها أسوارها تخاطلب منازليها من مجانيقها بأبلغ لسان وتشافه ملاجيها من أنفة أنفها إلا أنه بأعلى مكان‏.‏

ولما كانت القلعة الفلانية بهذه المنزلة الرفيعة والمكانة التي كل مكانةٍ بالنسبة والإضافة إلى علو مكانها المكانة الوضيعة - اخترنا لها وابتغينا واستوعبنا بالتأهيل لنيابتها ولم نترك في استيعابنا ولا أبقينا فلم نجد لولايتها كفأً إلا من نظمت عقود هذا التقليد لتقليده ورتلت سور هذه المحامد بمبديء لسان تقريظه ومعيده إذ هو أوثق من يلقى إليه إقليدها وأكفأ من ينجز به موعودها إذ كان المكين والثقة المتحلي إذ كان التحلي مما يزين العاطل المشين إن ذكر الرأي فهو المتصف بسديده أو العزم فهو الموسوم بشديده أو التثبت فهو من صفة شجاعته أو حسن المظافرة فهو الباذل فيها جهد استطاعته‏.‏

ولما كانت هذه المناقب مناقبه وهذه المذاهب مذاهبه رسم بالأمر الشريف العالي - زاده الله مضاءً ونفاذاً واستحواءً واستحواذاً - أن تفوض نيابة السلطنة بالقلعة الفلانية وما هو منسوبٌ إليها من ربضٍ ونواح وقرىً وضواح للمجلس السامي فلان‏.‏

فليرق إلى رتبتها المنيف قدرها المهم سرها وجهرها وليكن من أمر مصالحها على بصيرة ومن تفقد أحوالها على فطنةٍ ما زالت منه مخبورة وليأخذ محرزها من الجند وغيرهم بالملازمة لما عدق به من الوظائف ويتقدم إلى واليها مع طوافها أول طائف وليتفقد حواصلها من الذخائر وواصلها من التبذير بمن يرتبه على حفظها من الأخاير ومهما عرض يسرع بالمطالعة بأمره والإعلام بنفعه وضره‏.‏

هذه نبذةٌ كافيةٌ للوثوق بكفايته والعلم بسديد كفالته والله تعالى يحسن له الإعانة ويجزل له

 الوظيفة الثانية شد الدواوين بحلب

وهذه نسخة توقيع بشد الدواوين بحلب‏:‏ الحمد لله الذي أرهف في خدمة دولتنا كل سيفٍ يزهى النصر بتقليده ويروى نبأ الفتح عن تجربته في مصالح الإسلام وتجريده ويروى حده إذا قابله عدو الدين من قلب قلبه وموارد وريده‏.‏

نحمده على نعمه السابغة حمد متعرضٍ لمزيده ونشكره على مننه السائغة شكر مستنزلٍ مواد تأييده ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة مقرٍّ بتوحيده مسرٍّ مثل ما يظهر من الخضوع لكبرياء تقديسه وتمجيده مصرٍّ على جهاد من ألحد في آياته بنفسه وجنوده ونشهد أن محمداً عبده ورسوله أشرف من دعت دعوته الأمم إلى الاعتراف بخالقها بعد جحوده وأنجز لأمته من الاستيلاء على الكفر سابق وعوده وأمال به عمود الشرك فأهوى إلى الصعيد بعد صعوده صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين ما منهم إلا من بذل في طاعة الله وطاعته نهاية مجهوده وأطفأ نار الكفر بعد وقودها بإيقاد لهب الجهاد بعد خموده صلاةً تقترن بركوع الفرض وسجوده وتقام أركانها في أغوار الوجود ونجوده وسلم تسليماً كثيراً‏.‏

وبعد فإن أولى ما أجملنا في مصالحه النظر وأعملنا في ارتياد الأكفاء له بوادر الفكر واخترنا له من الأولياء من كان معدوداً من خواصنا محبواً بمزيد تقريبنا ومزية اختصاصنا أمر الأموال الديوانية بالمملكة الحلبية وتفويض شد دواوينها المعمورة إلى من تضاعفها رتبته المكينة ونزاهته المتينة ويده التي هي بكمال العفة مبسوطة وخبرته التي بمثلها يحسن أن تكون مصالح الدولة القاهرة منوطة ومنزلته التي تكف عن الأموال الأطماع العادية ومهابته التي تكفي الأولياء من ضبط الأعمال بما يروي الآمال الصادية لأنها مواد الثغور التي ما برحت عن شنب النصر مفترة وأمداد الجيوش التي جعل الله لها أبداً على أعدائه الكرة ورياض الجهاد التي تجتنى منها ثمرات الظفر الغضة وكنوز الملك التي ينفق منها في سبيل الله القناطير المقنطرة من الذهب والفضة‏.‏

ولما كان فلانٌ هو الذي اخترناه لذلك على علم ورجحناه لما اجتمع فيه من سرعة يقظةٍ وأناة حلم وندبناه في مهماتنا الشريفة فكان في كل موطنٍ منها سيفاً مرهفاً واخترناه فكان في كل ما عدقناه به بين القوي والضعيف منصفاً وعلمنا من معرفته ما يستثير الأموال من مكامنها ومن نزاهته ما يظهر أشتات المصالح من معادنها ومن معدلته ما يمتع الرعايا باجتناء ثمر المنى من إحسان دولتنا القاهرة واجتلاء محاسنها - اقتضت آراؤنا الشريفة أن نحلي جيد تلك الرتبة بعقود صفاته الحسنة وأن ننبه على حسن هممه التي ما برحت تسري إلى مصالح الدولة القاهرة والعيون وسنة‏.‏

فلذلك رسم أن يفوض إليه ذلك تفويضاً يبسط في مصالح الأموال لسانه ويده ويقصر على مضاعفة ارتفاع الأعمال يومه الحاضر وغده ويحسن بسد الخلل وتتبع الإهمال مصدره الجميل ومورده ويجعل له في مصالحها العقد والحل والتصرف النافذ في كل ما دق من الأموال الديوانية وجل‏.‏

فليباشر ذلك بهمةٍ علمنا في الحق مواقع سيفها وأمنا على الرعايا بما اتصفت به من العدل والمعرفة من مواقع حتفها وأيقظت العيون الطامحة لسلوك ما لا يجب بما لم تزل تتخيله من روائع طيفها وليثمر الأموال بالجمع في تحصيلها بين الرغبة والرهبة ويجعل ما يستخرج منها ببركة العفة والرفق‏:‏ ‏"‏ كمثل حبةٍ أنبتت سبع سنابل في كل سنبلةٍ مائة حبة ‏"‏‏.‏

وليعف أثر الحمايات ورسمها ويزل بالكلية عن تلك الممالك الحسنة وسمها القبيح واسمها وليكن مهم الثغور هو المهم المقدم لديه والنظر في كلف القلاع المحروسة هو الفرض المتعين أداؤه عليه فيحمل إليها من الأموال والغلال ما يعم حواصلها المصونة ويكفي رجالها الفكر في المؤونة ويضاعف ذخائرها التي تعد من أسباب تحصينها ويصبح به حمل عامها الواحد كفاية ما يستقبله مع موالاة الحمول من سنينها وما عدا ذلك من الوصايا فقد ألقينا إلى سمعه ما عليه يعتمد وعرفناه أن تقوى الله أوفى ما به يستبد وإليه يستند بعد الخط الشريف‏.‏

وهم على طبقتين أيضاً‏:‏ الطبقة الأولى من يكتب له في قطع الثلث بالسامي بالياء ويشتمل على وظائف منها‏:‏ قضاء القضاة‏.‏

وبها أربعة قضاةٍ‏:‏ من كل مذهب قاضٍ كما في الديار المصرية والشام‏.‏

والشافعي منهم هو الذي يولي بالبلاد كما في مصر والشام‏.‏

وهذه نسخة توقيع بقضاء قضاة الشافعية‏:‏ الحمد لله الذي رفع منار الشرع الشريف وأقامه ونور به كل ظلامٍ وأزال به كل ظلامة وجعله صراطاً سوياً للإسلام والسلامة الذي جعل القضاة أعلاماً بهم يهتدى ونصبهم حكاماً بمراشدهم يقتاد ويقتدى وأخذ بهم الحق من الباطل حتى لا يعتل في قضيةٍ ولا يعتدى والصلاة على سيدنا محمدٍ الذي أوضح الله به الطريق وأبدى به بين الحلال والحرام التفريق صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاةً تتكفل لرغبات قائلها بالتحقيق‏.‏

وبعد فإن أحق ما وجهت الهمم إلى تصريفه وجهاً مسفراً وقربت إلى يد الاقتطاف من شجرته المباركة غصناً مثمراً وسهدت في الاختيار له والاصطفاء لحظاً ما زال للفكر في مصالح الأمة مسهراً - الشرع الشريف الذي حرس الله به حومة الدين وحمى جانبه وحفظ به أقوال الهدى عن المجادلة من المبتدعين وأطرافه من المجاذبة وكانت حراسته معدوقةً باختيار الأئمة الأعلام وموقوفةً على كل من يطاعن البدع عند الاستفتاء برماح الخط وليست رماح الخط غير الأقلام ومصرفةً إلى كل منصفٍ في قضاياه حتى لو ترافعت إليه الليالي لأنصفها من الأيام‏.‏

ولما كان فلانٌ هو مدلول هذه العبارة ومرتمى هذه المشارة ومرتمق هذه الإشارة وقد حل من الممادح في محل صعب المرتقى على متوقله وطلع من منازل سعودها في بروج بعيدة الأوج إلا على سير بدره وتنقله وطالما حكم فأحكم وفصل ففصل وروجع فما رجع وعدل فعدل وشهدت مراتبه الشريفة بأنه خير من تنولها ميراثاً واستحقاقاً وأجل من كادت تزهو به مطالع النجوم إشرافاً وإشراقاً وكانت حلب المحروسة مركز دائرة لأيامه وسلك جوهر تصريفه الذي طالما تقلدت أحسن العقود بنظامه وقد افتخرت به افتخار السماء بشمسها والروضة بغرسها والأفهام بإدراك حسها والأيام بما عملته من خيرٍ في يومها وأسلفته في أمسها وقد اشتاقت إلى قربه شوق النفس إلى تردد النفس والليلة إلى طلوع النجم أو لا فإلى إضاءة القبس‏.‏

فلذلك خرج الأمر الشريف بأن يجدد له هذا التوقيع بالحكم والقضاء بالمملكة الحلبية وأعمالها وبلادها على عادته‏.‏

فليستخر الله تعالى وليستصحب من الأحكا ما همته مليةٌ باستصحابه ويستوعب من أمورها ما تتوضح المصالح باستيعابه ويقم بها منار العدل والإحسان وينهض بتدبير ما أقعده منها زمانة الزمان‏.‏

وعنده من الوصايا المباركة ما يستغني به عن المساهمة فيها والمشاركة لكن الذكرى النافعة عند مثله نافقة فإن لم يكن شعاع هلالٍ فبارقة وليتق الله ما استطاع ويحسن عن أموال اليتامى الدفاع ويحرس موجود من غاب غيبةً يجب حفظ ماله فيها شرعاً ويقطع سبب من رام لأسباب الحق قطعاً ولا يراع لحائفٍ حرمةً فإن حرمات الحائفين لا ترعى وينظر في الأوقاف نظراً يحرسها ويصونها ويبحث عنها بحثاً يظهر به كمينها والله تعالى يسدده في أحكامه بمنه وكرمه‏!‏ قلت‏:‏ وعلى ذلك تكتب تواقيع بقية القضاة بها من المذاهب الثلاثة الباقية‏.‏

ومنها‏:‏ وكالة بيت المال المعمور‏.‏

وهذه نسخة توقيع من ذلك كتب بها لمن لقبه كمال الدين وهي‏:‏ الحمد لله الذي جعل كمال الدين موجوداً في اقتران العلم بالعمل وصلاح بيت المال معهوداً في استناده إلى من ليس له غير رضا الله تعالى وبراءة الذمة أمل وارتقاء رتب المتقين مقصوراً على من بارتقاء مثله من أئمة الأمة تزهى مناصب الدول والاكتفاء بالعلماء محصوراً في الآراء المعصومة بتوفيق الله من الخلل‏.‏

نحمده على نعمه التي جعلت مهم مصالح الإسلام مقدماً لدينا واختصاص المراتب الدينية بالأئمة الأعلام محبباً إلينا ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً رفع الجهاد علمها وأمضى الاجتهاد كلمها ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أشرقت سماء ملته من علماء أمته بأضوإ الأهلة ونطقت أحكام شرعته على ألسنة حملة سنته بأوضح الأدلة وبزغت شمس هدايته في تهائم الوجود ونجوده فانطوت بها ظلم الأهواء المضلة صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين نصحوا لله ولرسوله وآثروا رضاه على نفوسهم فلم يكن لهم مرادٌ سوى مراده ولا سولٌ غير سوله وسلم تسليماً كثيراً‏.‏

وبعد فإن أولى من تلقاه كرما بوجه إقباله واختارت له آلاؤنا من الرتب ما صده الإجمال في الطلب عن تعلقه بباله ورأى إحساننا مكانه من العلم والعمل فعدق به من مصالح المسلمين ما لم يتركه أولاً إلا موافقةً له لا رغبةً عن خياله ورعى برنا وفادته فاقتضى إعادته من مناصبه إلى ما لم يزل مشرق الأفق بكمال طلعته وطلعة كماله - من ظهرت لوامع فوائده وبهرت بدائع فرائده وتدفقت بحار فضائله وتألقت أشعة دلائله وتنوعت فنونه‏:‏ فهو في كل علم ابن بجدته وفارس نجدته وحامل رايته وجواد مضماره الذي تقف جياد الأفكار دون غايته‏.‏

ولما كان فلانٌ هو هذا البحر الذي أشير إلى تدفقه والبدر الذي أوميء إلى كمال ما تألق به من أفقه وكانت وكالة بيت المال المعمور بحلب المحروسة من المناصب التي لا يتعين لها إلا من تعقد الخناصر عليه ويشار ببنان الاختصاص إليه ويقطع بجميل نهوضه فيما يوضع من المصالح الإسلامية بيديه وله في مباشرتها سوابق وآثارٌ إن لم تصفها ألسنة الأقلام أوحت بها تلك الأحوال الخالية وهي نواطق - اقتضت آراؤنا الشريفة إنعام النظر في الإنعام عليه بمكانٍ ألفه ومنصبٍ رفع ما أسلفه فيه من جميل السيرة قدره عندنا وأزلفه‏.‏

فرسم بالأمر الشريف - لا زال بابه ثمال الآمال وأفق السعد الذي لو أمه البدر لما فارق رتب الكمال - أن يفوض إليه كذا‏:‏ لما ذكر من أسباب عينته وفضائل تزينت به كما زينته ووفادةٍ تقاضت له نزل الكرامة واقتضت له مواد الإحسان وموارده في السرى والإقامة‏.‏

فليل هذه الرتبة التي على مثله من الأئمة مدار أمرها وبمثل قوته في مصالحها يتضاعف در احتلابها ويترادف احتلاب درها مراعياً حقوق الأمة فيما جره الإرث الشرعي إليهم مناقشاً عن المسلمين فيما قصره مذهبه المذهب من الحقوق المالية عليهم واقفاً بالحق فيما يثبت بطريقة المعتبر تابعاً لحكم الله فيما يختلف سبيله وفيما يحرر بالعيان أو يحقق بالخبر محافظاً على ما يؤول إلى بيت المال بلطف تدقيقه وحسن تحقيقه وقبول الدافع بوجهه ودفعه بطريقه ولا يمنع الحق إذا ثبت بشروطه التي أعذر فيها ولا يدفع الواجب إذا تعين بأسبابه التي يتقاضاها الشرع الشريف ويقتضيها وهو الوكيل عن الأمة فيما لهم وعليهم ومتولي المدافعة عنهم فيما يقره الشرع بين يديهم فليؤد عنهم أمانة دينه ويجتهد لهم فيما وضعناه من أمر هذه الوكالة الشريفة بيمينه وملاك هذا الأمر الوقوف مع الحق الجلي والتمسك بالتقوى التي تظهر بها قوة الأمين وأمانة القوي والله تعالى يوفقه ويسدده‏.‏

قلت‏:‏ وفي معنى ما تقدم من قطع الورق والألقاب الحسبة ونظر الأوقاف الكبار وخطابة الجوامع الجليلة وكبار التداريس وما يجري مجرى ذلك‏:‏ إذا كتب به من الأبواب السلطانية وإلا فالغالب كتابة ذلك جميعه عن نائب السلطنة بها‏.‏

  الطبقة الثانية من يكتب له في قطع العادة بالسامي بغير ياء

أو بمجلس القاضي قال في التثقيف‏:‏ وهم من عدا القضاة الأربعة من أرباب الوظائف الدينية فيدخل في ذلك قضاء العسكر وإفتاء دار العدل وما يجري مجرى ذلك حيث كتب من الأبواب السلطانية‏.‏

  الصنف الثالث من أرباب الوظائف

بحلب - أرباب الوظائف الديوانية وهم على طبقتين الطبقة الأولى من يكتب له في قطع الثلث بالسامي بالياء وتشتمل على وظائف منها‏:‏ كتابة السر ويعبر عنها في ديوان الإنشاء بالأبواب السلطانية - بصاحب ديوان المكاتبات وربما قيل‏:‏ صاحب ديوان الرسائل‏.‏

قال في التثقيف‏:‏ وربما كتب له في قطع النصف‏.‏

وهذه نسخة توقيع شريفٍ من ذلك وهي‏:‏ الحمد لله الذي زان الدولة القاهرة بمن تغدو أسرارها من أمانته في قرارٍ مكين وحلى أيامنا الزاهرة بمن تبدو مراسمها من بلاغته في عقد ثمين ومجمل الكتب السائرة بمن إذا وشتها براعته ويراعته قيل‏:‏ هذا هو السحر البياني إن لم يكن سحرٌ مبين‏.‏

نحمده على نعمه التي خصت الأسرار الشريفة بمن لم يرثها عن كلالة ونصت في ترقي مناصب التنفيذ على من يستحقها بأصالة الرأي وقدم الأصالة ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً رقم الإخلاص طروسها وسقى الإيمان غروسها ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي آتاه جوامع الكلم ولوامع الهدى والحكم صلى الله عليه وعلى آله وصبحه الذين كتب في قلوبهم الإيمان وكبت بهم أهل الطغيان صلاةً يشفعها التسليم ويتبعها التعظيم وسلم تسليماً كثيراً‏.‏

وبعد فإن أولى الرتب بإرتياد من تعقد على أولويته الخناصر ويعتمد على أصالته التي ما برحت في الاتصال والاتصاف بها ثابتة الأواصر ويعتقد في أمانته التي تأوي بها الأسرار إلى صخرةٍ أعيا الرجال انصداعها ويعتضد بفضائله التي يقل في كثير من الأكفاء اجتماعها ويعول فيها على بلاغته التي أعطت كل مقامٍ حقه من الإطناب والإيجاز ويرجع فيها إلى بديهته التي جرت بها سوابق المعالي إلى غاية الحقيقة في مضمار المجاز - رتبةٌ هي خزانة سرنا وكنانة نهينا وأمرنا فلا يتعين لبلوغها إلا من ومن ولا يعين لتلقيها وترقيها إلا أفراد قل أن يكثر مثلهم في زمن ولا يحسن أن تكون إلا في بيتٍ عريقٍ في أنسابها وثيقٍ في تمكن عرا أسبابها عليم بقواعدها التي إذا اشتبهت طرق آدابها كان أدرى بها‏.‏

ولما كان فلانٌ هو الذي ذكرت أسباب تعينه لهذه الرتبة وتعيينه وفتحت أبواب أولويته بتلقي راية هذا المنصب بيمينه مع أدواتٍ كملت مفاخره وصفاتٍ جملت مآثره وكتابةٍ إذا جادت أنواؤها أرض طرسٍ أخذت زخرفها وإذا حاذت أنوارها وجه سماءٍ ودت الدراري لو حكت أحرفها وبلاغةٍ إن أطرت بوصفٍ أغارت الفرائد وأعارت دررها القلائد وأتت من رقة المعاني بما هو أحسن من دموع التصابي في خدود الخرائد وإن أغرت بعدوٍّ أعانت على مقاتله السيوف ودلت على مكامنه الحتوف وديانةٍ رفعته عند الله وعندنا إلى المكان الأسنى وصيانةٍ جمعت له من آلائنا واعتنائنا بين الزيادة والحسنى وأمانةٍ أغنته بجوهر وصفها الأعلى عن التعرض إلى العرض الأدنى وبراعةٍ اعتضد بها يراعه في بلوغ المقاصد اعتضاد الرقص بالمغنى‏.‏

فلذلك رسم بالأمر الشريف أن يفوض إليه كذا فليبشر بتلقي هذا الإحسان بيد الاستحقاق وليتلق عقود هذا الامتنان الذي طالما قلده فخره الأعناق وليباشر ذلك مباشرةً يسر خبرها ويسري خبرها ويشنف الأسماع تأثيرها وأثرها وليسلك فيها من السداد ما يؤكد حمده ومن حسن الاعتماد ما يؤيد سعده والوصايا كثيرةٌ وهو بها خبيرٌ عليم حائزٌ منها أوفر الأجزاء وأوفى التقسيم وملاكها تقوى الله فليجعلها عمدته وليتخذها في كل الأمور ذخيرته والله تعالى يضاعف له من لدنا إحساناً ويرفع له قدراً وشأناً والاعتماد في ذلك على الخط الشريف أعلاه الله تعالى أعلاه‏.‏

ومنها‏:‏ نظر المملكة الحلبية القائم مقام الوزير‏.‏

وهذه نسخة توقيعٍ من ذلك‏:‏ كتب به لعماد الدين سعيد بن ريان بالعود إليها وهي‏:‏ الحمد لله رافع قدر من جعل عليه اعتماداً ومجدد سعد من غدا في كل ما يعدق به من قواعد النظر الحسن عماداً ومسني حمد من تكفل له جميل التصرف أن لا تبعد الأيام عليه مراداً ومجزل مواد النعم لمن إذا استمطر قلمه في المصالح همى فافتن أفناناً وأينع تثميراً وأثمر سداداً وإذا أيقظ نظره في ملاحظة الأعمال استجلى وجوه المصالح انتقاءً لما خفي منها وانتقاداً‏.‏

نحمده على نعمه التي لا تزال النعم بها مجددة والقواعد موطدة والكرم معاداً وآلائه التي جعل لها الشكر ازدياناً على الأبد وازدياداً ومننه التي لا يقوم بها ولا بأداء فرضها الحمد ولو أن ما في الأرض من شجرةٍ أقلامٌ أو كان البحر مداداً ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً لا تألو هممنا اجتهاداً في إعلاء منارها وجهاداً ولا تكبو جياد عزائمنا دون أن تسنها من الجاحدين قلوباً وتجري بها من المنكرين ألسنةً وتقلدها من المشركين أجياداً ولا تنبو صوارمنا حتى تتخذ لها من وريد كل معاندٍ مورداً ومن قمم كل ناكثٍ أغماداً ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أسرى الله به إليه فبلغ في الارتقاء سبعاً شداداً وأنزل عليه أشرف كتبه بياناً وأعجزها آيةً واوضحها إرشاداً وبعثه إلى الأحمر والأسود فسعد من سعد به إيماناً وشقي من شقي به عناداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين لم يألفوا في طاعة الله وطاعته مهاداً صلاةً لا تستطيع لها الدهور نفاداً ولا تملها الأسماع تعداداً وترداداً وسلم تسليماً كثيراً‏.‏

وبعد فإن أولى من سما به منصبه الذي عرف به قديماً وزهيت به رتبته التي لم يزل فيها لاقتناء الشكر مستديماً وتحلت به وظيفته التي لم يبرح يلبس بها ثوب الثناء قشيباً ويجر بها رداء السعد رقيماً وتقاضت له عوارفنا معارفه التي لم يزل عقدها في جيد المراتب السنية نظيماً وتطلع إليه مكانه فكأنه بقدم هجرته لم يبرح فيه وإن بعد عنه مقيماً - من لم يزل قلمه بصرفه في أسنى ممالكنا الشريفة كاسمه سعيداً وطرف نظره فيما يليه من المناصب السنية يريه من المصالح ما كان غائباً ويدني إليه من أسباب التدبير ما كان بعيداً فما أعمل في مصالح الدولة القاهرة قلماً إلا وأقبلت نحوه وجوه الأموال سافرة ولا لحظ في مهمات وظائفها أمراً إلا وعاودته أسباب التثمير النافرة ولا اعترض قلمه بنطقه وفكره إلا وغدت الثلاثة على كل ما فيه عمارة ما يفوض غليه من الأعمال متضافرة وذلك لما اجتمع فيه من عفة نفسه وكمال معرفته وطهارة يراعه واتصف به من حسن اضطلاعه وجميل اطلاعه وجبلت عليه طباعه من نزاهةٍ زانت خبرته ومن ينقل مشكوراً عن طباعه‏.‏

ولما كان فلانٌ هو الذي حنت إليه رتبته وتلفت إليه منصبه ودعته وظيفته النفيسة إلى نفسها واعتذرت بإقبالها غليه في يومها عن نشوزها عنه في أمسها واشتاقت إلى التحلي بفضائله التي لم تزل تزهى بما ألفته منها على نظرائها من جنسها - اقتضت آراؤنا الشريفة أن نجمل لها عادتها ونجدد له من الإحسان بمباشرتها السعيدة إعادته ونعيد إليه بمباشرة نظره الجميل مسرته التي ألفها وسعادته‏.‏ فلذلك رسم‏.‏

- لا زال بره لعماد الدين رافعاً وأمره بالأحسان شافعاً - أن يفوض إليه نظر المملكة الحلبية على عادة من تقدمه‏.‏

فليباشر هذه المملكة التي هي من أشهر ممالكنا سمعة وأيمنها بقعة وأحسنها بلاداً وأخصبها رباً ووهاداً وأكثرها حصوناً شواهق وقلاعاً سوامي سوامق وثغوراً لا تشيم ما افتر منها البروق الخوافق مباشرةً تزيد مصالحها على ما عرفته وتريها من خبرته فوق ما ألفته وتدل على ما فيه من كفاءة هذبتها التجارب وهدتها الأنوار الثواقب وصرفتها الأفكار المطلعة على الطوالع من المغارب وسددها إلى الأغراض الجميلة الخلو من الأغراض ووقفها على جواهر الصواب عدم اعتراض النظر إلى الأعراض وأراها التوفيق ما تأتي من وجوه التدبير وما تذر وعرفتها المعرفة الاحتراس من مخالفة الصواب فما تزال من ذلك على حذر وفتحت لها الدربة أبواب التثمير فما لحظت أمراً من الأمور الديوانية إلا وبدت البدر ولتكن النعم المصونة المقدم لديه والنظر في مصالح القلاع المحروسة هو الغرض المنصوص عليه فليضاعف ذخائرها ويتفقد موارد أمورها ومصادرها وفي معرفته بقواعد هذه الوظيفة ما يغني عن الوصايا لكن ملاكها تقوى الله فليجعلها نجي نفسه وسمير أنسه والخط الشريف‏.‏

ومنها - نظر الجيش بها‏.‏

وهذه نسخة توقيع بنظر الجيش بالمملكة الحلبية وهي‏:‏ الحمد لله الذي جعل أفق السعادة بطلوع شمسه منيراً وأقر في رتب العلياء من يغدو ناظرها بحسن نظره قريراً وحلى مفارق المناصب السنية بصدرٍ إذا تغالى اللسان في وصفه كان بنان البيان إليه مشيراً واختار لأمصار ممالكنا الشريفة من إذا فوض إليه نظرها كان بنسبته إلى الإبصار حقيقاً به وجديراً‏.‏

نحمده وهو المحمود ونشكره شكراً مشرق السعود ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً عذبة الورود ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أضحت به شيوخٌ من الإسلام منشورة البنود صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ما أورق عود وأولج نهار السيوف في ليل الغمود وسلم تسليماً كثيراً‏.‏

وبعد فإن الله تعالى لما خص كل مملكةٍ من ممالكنا الشريفة بكثرة الجيوش والأنصار وجعل جيوشنا وعساكرنا تكاثر عدد النجوم في كل مصرٍ من الأمصار وكانت المملكة الشريفة الحلبية هي ركنٌ من أركان الإسلام شديد وذخرٌ ما دعاهم داعٍ إلا ولباه منهم عددٌ عديد - وجب أن يختار للنظر عليها من الأكفاء من سما في الرآسة أصله وزكا فرعه فاستحق بما فيه من المعرفة تمييز قدره ورفعه وفاق في فضل السيادة أبناء جنسه وأشرقت أفلاك المعالي بطلوع شمسه وأقر بنظره نظر الجيوش المنصورة وسارت الأمثلة بما اتفق عليه فيه من حسن خبرة وخيرة وكان فلانٌ هو الذي طلع في أفق هذا الثناء شمساً منيرة واختبر بالكفاية والدراية واختير لهذا المنصب على بصيرة وهو الذي له من جميل المباشرة في المناصب السنية ما هو كالشمس لا يخفى والذي أحسن النظر في الأقاف المبرورة حتى تمنى كل منصبٍ جليلٍ أن يكون عليه وقفاً وهو الذي حوى من الفضائل ما لا يوجد له نظيرٌ ولا شبيه والذي سما إلى رتبة من المعالي رفيعةٍ وكان ذا الجد النبيه والأب لبنيه‏.‏

فلذلك رسم‏.‏ لا زال يقر الناظر بجوده ويحسن النظر في أمر جيوشه وجنوده - أن يفوض إليه كذا‏:‏ علماً بأنه أحق بذلك وأولى وأن كفايته لا يستثنى فيها بإلا ولا بلولا وأن السداد مقترنٌ بحسن تصريفه وعلمه قد أغنى عن تعليمه بمواقع التسديد وتوفيقه‏.‏

فليباشر ذلك بصدرٍ منشرح وأملٍ منفسح عاملاً بالسنة من تقوى الله تعالى والفرض عالماً بأنا عند وصلونا إلى البلاد نأمر بعرض الجيوش‏:‏ فليعمل على ما يبيض وجهه يوم العرض وليلزم عدةً من المباشرين بعمل ما يلزمهم من التفريع والتأصيل والتجريد والتنزيل وتحرير الأمثلة والمقابلة عليها وسلوك الطريق المستقيم التي لا يتطرق الذم إليها والملاحظة لأمور الجيوش المنصورة في قليل الإقطاعات وكثيرها وجليلها وحقيرها بحيث يكون علمه محيطاً بذلك إحاطة الليل ويشترط على من يتعين تنزيله ما استطاع من قوةٍ ومن رباط الخيل ويقابل الأمور المضطربة بالإضراب ويسلك أحسن المسالك في سيره وسيرته‏:‏ فإننا فوضنا إليه الجيوش المنصورة من جند المملكة الحلبية ومن أهل المدينة ومن حولهم من الأعراب‏.‏

والوصايا كثيرةٌ وإن كثرت فعلمها عنده وقد ضرب له منها مثلٌ فليكن على سياقته فيما لم يذكر في العدة وأهم الأمور أن يتمسك من خشية الله بالسبب الأقوى ويجعل تقوى الله عماده في كل الأمور‏:‏ فإن خير الزاد التقوى والخط الشريف أعلاه حجةٌ فيه‏.‏

  الطبقة الثانية من يكتب له من أهل المملكة الحلبية في قطع العادة مفتتحاً برسم

إما مع مجلس القاضي أو مع القاضي الأجل ككتاب الدرج ومن في رتبتهم إن كتب لأحدٍ منهم من الأبواب السلطانية وإلا فالغالب استبداد نائب السلطنة بها بالكتابة في ذلك‏.‏

فإن كتب شيءٌ منها من الأبواب السلطانية فليمش فيه على نحو ما تقدم في الديار المصرية والمملكة الشامية التي قاعدتها دمشق‏.‏

  النوع الثاني من ارباب الوظائف بالمملكة الحلبية من هو خارجٌ عن حاضرتها

وهم على أصناف الصنف الأول أربا السيوف وهم غالب من يكتب لهم عن الأبواب السلطانية وقد تقدم أن العادة جاريةٌ بتسمية ما يكتب لمن دون أرباب النيابات العظام‏:‏ من دمشق وحلب وطرابلس وحماة وصفد وغزة والكرك - مراسيم وأن التقاليد مختصة بالنواب العظام المقدم ذكرهم‏.‏

ولا يخفى أن النيابات الداخلة في المملكة الحلبية مما هو تحت أمر نائب وبالجملة فأمرهم لا يخرج عن ثلاثة أضرب‏:‏ إما مقدم ألف كنائب البيرة ونائب قلعة الروم المعبر عنها في ديوان الإنشاء بقلعة المسلمين ونائب ملطية ونائب طرسوس ونائب البلستين ونائب البهنسى ونائب آياس المعبر عنها بالفتوحات الجاهانية‏.‏

وإما طبلخاناه كنائب جعبر ونائب درندة ونحوهما‏.‏

وإما أمير عشرة كنائب عني تاب ونائب الراوندان ونائب كركر ونائب بغراس ونائب الشغر وبكاس ونائب الدربساك ونائب سرفندكار ومن في معناهم‏.‏

وقد تقدم في الكلام على المكاتبات نقلاً عن التثقيف‏.‏

أن هؤلاء النواب تختلف أحوالهم في الارتفاع والانحطاط‏:‏ فتارةً تكون عادة تلك النيابة أمير طبلخاناه ثم يولى فيها عشرةٌ وبالعكس‏.‏

وقد تكون عادتها طبلخاناه فيستقر بها مقدم ألف وبالعكس‏.‏

والضابط في ذلك أن من يكتب له المرسوم‏:‏ إن كان مقدم ألف كتب مرسومه في قطع النصف بالمجلس العالي وإن كان طبلخاناه كتب له مرسومه في قطع النصف أيضاً بالسامي بالياء وإن كان أمير عشرة كتب مرسومه في قطع الثلث‏.‏

فأما ما يكتب في قطع النصف فإنه يفتتح بالحمد لله سواء كان صاحبه مقدم ألفٍ أو أمير طبلخاناه‏.‏

وهذه نسخة مرسومٍ شريفٍ بنيابة آياس وهي المعبر عنها بالفتوحات الجاهانية يستضاء بها في ذلك وهي‏:‏ الحمد لله الذي جعل من أولياء دولتنا الشريفة كل سيفٍ لا تنبو مضاربه واصطفى لبوادر الفتوحات من أنصارنا من تحمد آراؤه وتجاربه وألهمنا حسن الاختيار لمن تؤمن في المحافظة مآربه وتعذب في المخالطة مشاربه وحقق آمالنا في مضاعفة الفتح التي أغنى الرعب فيها عما تدافعه سيوف الإسلام وتحاربه‏.‏

نحمده حمداً يضاعف لنا في التأييد تمكيناً ونشكره شكراً يستدعي أن يزيدنا من فضله نصراً عزيزاً وفتحاً مبيناً ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً نخلص فيها يقيناً من المخاوف يقينا ونرد من نهلها معيناً ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أيده الله بالملائكة والروح وزوى له الأرض فرأى مشارقها ومغاربها ونرجو أن يكون ما زواه له مدخراً لنا من الفتوح صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين هم خير أمةٍ أخرجت للإسلام والذين ما زال الإيمان بهم مرفوع الألوية والأعلام والذين لم يبرح داعي الضلالة تحت قهر سيوفهم‏:‏ فإذا أغفى جرت عليها سيوفها الأحلام صلاةً يطيب اللسان منها فيطرب ويعرب عن صدق الإخلاص في تكرارها فيغرب وسلم تسليماً‏.‏

أما بعد فإن أولى من تستند أمور الممالك لعزمته ويلقى أمر بوادر الفتوحات السعيدة لهمته ويعتمد في تدبير أحوال البلاد والعباد على يمن تصرفه وممتد نهضته - من لم يزل معروفاً سداد رأيه مشكوراً في الخدمة الشريفة حسن سعيه مؤيداً في عزمه مظفراً في حزمه مأمون التأثير ميمون التدبير كافياً في المهمات كافلاً بعلو الهمات إذا هم ألقى بين عينيه صادق عزمه وإذا اعتمد عليه في مهم تلقاه بهمته وحزمه وإذا جرد كان هو السيف اسماً وفعلاً وإذا دارت رحى الحرب الزبون فهو الشهم الذي لا يخاف سهماً ولا يرهب نصلاً‏.‏

ولما كان‏.‏

هو بدر الأفق ومقلد هذا العقد ولا يصلح هذا الطوق إلا لهذا العنق وهو الذي فاق الأولياء اهتماماً وراق العيون تقدماً وإقداماً وأرضى القلوب نصحاً ووفاء وأنضى الهمم احتفالاً للمصالح واحتفاء طالما جرب فحمد عند التجارب وجرد فأغنى عن القواضب واختبر فاختيير ونظر في خصائصه فلم يوجد له نظير - اقتضى حسن الرأي الشريف أن نقلده فتوحاتٍ أنقذها الله تعالى من شرك الشرك وأخرجها إلى النور بعد ظلام الإفك وبشرها أن هذه سحابة نصرٍ يأتي وابله إن شاء الله تعالى بعد رذاذه وأنها مقدمة سعدٍ تتلو قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ وعدكم الله مغانم كثيرةً تأخذونها فعجل لكم هذه ‏"‏‏.‏

فلذلك رسم‏.‏- لا زال الفتح في دولته يزهو بانتظام سلكه وأيامه الشريفة تسترد مغتصب البلاد من يد الكفر إلى بسطة ملكه وقبضة ملكه وإحسانه يحمي الحصون بسيفٍ يروع العدا ببأسه وفتكه - أن يفوض‏.‏

اعتماداً على مضائه الذي لا ينكر مثله فليباشر النيابة المذكورة‏:‏ معملاً رأيه في تمهيد أحوالها وتقرير أمورها التي راق الأولياء راع الأعداء ما كان من مآلها مجتهداً في حفظ ما بها من القلاع والحصون مبادراً إلى كل ما يحمي حماها ويصون قائماً حق القيام في مصالح تقريرها وأحوال تحريرها وأمور تمهدها ومنافع تشيدها وحواصل تكفيها واسباب مصلحةٍ توافيها بمزيد الاهتمام وتوفيها وليكن بأحكام الشرع الشريف مقتدياً وبنور العدل والإحسان مهتدياً وبتقوى الله عز وجل متمسكاً وبخشية الله متنسكاً وهو يعلم أن هذه الفتوحات قذىً في حدقة العدو المخذول وشجاً في حلوقهم وعلةً في صدورهم وحسرةً في قلوبهم‏.‏

فليكن دأبه الاجتهاد الذي ليس معه قرار والتحرز الذي يحليها أو يحميها فيكون عليها بمنزلة سورٍ أو سوار ويصفحها من عزمه بالصفاح ويجعل عليها من شرفات حزمه ما يكون أحد من أسنة الرماح ثم لا يزال احتياطه محيطاً بها من كل جانب وتيقظه لأحوالها بمنزلة عين مراقب واحتفاله الاحتفال الذي بمثله يصان رداؤها من كل جاذب ثم لا تزال قصاده وكشافه وطلائعه لا يقر بهم السرى ولا يعرفون طعم الكرى يطلعون من أخبار العدا على حقائقها وتتحيل كل فرقة منهم على معرفة الأحوال بينهم بمكرٍ من تعدد طرقها واتساع طرائقها لتكون المتجددات عنده بمنزلة ما يراه في مرآة نظره وسر أمور العدا لديه قبل أن يشيع بينهم ذكر خبره والوصايا كثيرةٌ وهو بحمد الله لا يحتاج مع معرفته إلى تبصرة ولا يفتقر مع حسن بصيرته إلى تذكرة والله تعالى يتولاه ويعينه على ما ولاه بعد الخط الشريف أعلاه‏.‏

وأما من يكتب له في قطع الثلث بمجلس الأمير وهم الشعرات فقد ذكر في التعريف‏:‏ أنه يكتب لهم من الأبواب السلطانية على ذلك‏.‏

قلت‏:‏ وقد تقدم في الطبقة السابعة أن الكختا وكركر والدربساك قد تكون عشرةً أيضاً‏.‏

وفي معنى ذلك نيابة عين تاب والراوندان والقصير والشغر وبكاس إذا كانت عشرة‏.‏

ونيابة دبركي إذا كانت عشرة فيفتتح فيها بأما بعد حمد الله على عادة ما يكتب للعشرات‏.‏

وهذه نسخة مرسومٍ شريف من هذه الرتبة كتب به لنائب حجر شغلان من معاملة حلب وهي‏:‏ أما بعد حمد الله الذي شيد المعاقل الإسلامية بأكفائها وصان الحصون المحروسة بمن شكرت همته في إعادتها وإبدائها وحمى سرحها بمن أيقظ في الخدمة الشريفة عيون عزمه فما ألمت بعد إيقاظه بإغفائها والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الذي انتضى سيوف التأييد فأعزت الهدى وأذلت العدا حين انتضائها وعلى آله وصحبه ما بدت النجوم في ظلمائها وسرت الغيوم في فضائها - فإن من شكرت هممه وثبتت في الطاعة الشريفة قدمه وأشبه عزمه في مضائه صارمه وأضحت ثغور تقديمه باسمة - أولى بأن ترفع هذه الدولة الشريفة من محله وتنشر عليه من تكريمها وارف ظله وترتضيه لقلاع الإسلام وتشييدها وتجتبيه لصونها وتأييدها وتجعله قرة عينها وحلية جيدها وتمضي كلمته ف مصالحها وتعدق به أسباب مناجحها فيصبح ولقدره منا إعلاءٌ وإعلان ويمسي وله شغلٌ بطاعتنا العالية الشان وشغل بالمعقل الذي يحرز بعزمه ويصان فلأجل ذلك غدا وله من هذه النيابة على الحقيقة شغلان‏.‏

وكان فلان هو الذي جادت عليه دولتنا الزاهرة بسحائبها وأشرقت على حظوظه سعود كواكبها وأسمت له قدراً وجعلت له إمرةً وأمراً وصرفته إلى نيابة معقلٍ معدودٍ من قلاع الممالك الإسلامية وحصونها ومعاقلها التي علت محلاً فالجبال الشم من دونها قد أصبح شاهقاً في مبناه ممنعاً في مغناه محصناً برجاله مصوناً من ماضيين‏:‏ السيف في مضائه والعزم ف احتفاله - اقتضى حسن الرأي الشريف أن نوقله رتبة هذه النيابة وننشر عليه من إحساننا سحابه‏.‏

فذلك رسم بالأمر الشريف - لا زال‏.‏

أن يستقر‏.‏ فليحل هذه النيابة المباركة مظهراً من عزمه ما تحمد عواقبه وتعلو مراقبه وتسمو مراتبه وتتوضح سبله ومذاهبه محصناً لسرحه معززاً مواد نجحه مراعياً أحوال رجاله المعدين من حماته وأبطاله حتى يغدو يقظين فيما يندبهم إليه ويستنهضهم فيه مبادرين إلى كل ما يحفظ هذا الحصن ويحميه ومن بهذا المعقل من الرعية فليرفق بضعفائهم وليعاملهم بما يستجلب لنا به صالح دعائهم والوصايا كثرةٌ وملاكها التقوى فليتمسك بها في السر والنجوى وليغرسها في كل قول يبديه وفعل يرتضيه فإن غروسها لا تذوى‏.‏

والله يوفقه لصالح القول والعمل ويصونه من الخطإ والخطل والخط الشريف أعلاه حجة بمقتضاه إن شاء الله تعالى تعالى والحمد لله وحده‏.‏

قلت‏:‏ وقد تقدم أنه لا يكتب عن السلطان مرسومٌ بنيابة في قطع العادة لأن ذلك لا يكون إلا لجندي وهو دون ومثل ذلك إنما يكتب عن نواب الممالك‏.‏

  الصنف الثاني مما هو خارجٌ عن حاضرة حلب الوظائف الدينية

بمعاملتها من القلاع وغيرها وهي في الغالب إنما تصدر الكتابة فيها عن نائب حلب أيضاً أو قاضيها إن كان مرجع ذلك إليه‏.‏

فإن صدر شيءٌ منها عن الأبواب السلطانية كان في قطع العادة مفتتحاً برسم‏.‏

وهذه نسخة توقيعٍ من هذا النمط ينسج على منواله كتب به لقاضي قلعة المسلمين وهي‏:‏ رسم بالأمر الشريف - لا زال عدله مؤيداً للحكام وريأيه مسدداً في النقض والإبرام وسلطانه يختار للمناصب الدينية من نطقت بشركه ألسنة الأنام - أن يستقر في كذا‏:‏ لما اشتهر فليباشر هذه الوظيفة المباركة بالحق حاكماً وللرفق ملازماً وللتقوى مداوماً وهو غنيٌّ عن الإسهاب في الوصايا مليٌّ بسلوك تقوى الله في القضايا والله تعالى يزيده تأييدأً ويضاعف له بمواد السعادة تجديداً والعلامة الشريفة أعلاه حجةٌ بمقتضاه‏.‏

  الصنف الثالث مما هو خارج عن حاضرة حلب الوظائف الديوانية

وهي إنما تصدر في الغالب أيضاً عن نائب حلب‏.‏

فإن كتب شيءٌ منها عن الأبواب السلطانية كان في قطع العادة مفتتحاً برسم بالأمر‏.‏

وهذه نسخة توقيع من ذلك يستضاء به فيما يكتب من هذا النوع كتب بها بنظر جعبر من معاملة حلب وهي‏:‏ رسم بالأمر الشريف - لا زال منهل الندى مستهل الجدى معيداً للإحسان كما بدا - أن يعاد فلانٌ إلى وظيفته‏:‏ لما ألفت من سيرةٍ له لم تزل تحمد وسيما خيرٍ منه على مثل الشمس تشهد ولأمانته التي لم تزل تفتر بها الثغور وتخضر بها المعاهد‏:‏ تارةً في طوق النحر وتارةً في نحور البحور وأصالةٍ امتد ظلها الظليل وعرف منها في العصر حسن الأصيل وأينعت أكرم فرعٍ زكا منبته في الأرض المقدسة وجوار الخليل ولما أسلف في هذه المباشرة من عملٍ صالح وسداد اعتمادٍ لم يخرج عن تحرير تقريرٍ وتقرير مصالح وكتابةٍ رآها الرائي ونقلها الناقل وكفايةٍ فليباشر هذه العروس فقد أنقدها سالف الخدم وأمهرها وليثابر سقيا الغروس التي أنشأها في هذه الجهة وثمرها وليسلك مسلكه الذي لم يزل مخيماً على رؤوس الفتن ومهوماً به طرف الأمن لليقظة الذي لا يلم به الوسن مخولاً في وظيفته المبرات مستقبلاً للمسرات مفتخراً بمباشراته التي تجري مجاري البحار‏:‏ تارةً الملح الأجاج وتارةً العذب الفرات وهو أعرف بما يقدمه من أمانةٍ بها يتقدم وديانة يرجب بها استكفاؤه ويحكم وتقوى الله جماعها فليكن بها متمسكاً وبمشاغلها متنسكاً والله تعالى يجعل عطاءه موفراً وعمله متدفقاً ليرد جعبراً جعفراً‏.‏

  النيابة الثالثة نيابة طرابلس ووظائفها التي جرت العادة بالكتابة فيها من الأبواب السلطانية

على نوعين النوع الأول ما هو بحاضرة طرابلس وهو على ثلاثة أصناف الصنف الأول أرباب السيوف وهم على طبقتين الطبقة الأولى من يكتب له تقليد وهو نائب السلطنة بها‏.‏

ومرسومه في قطع الثلثين ولقبه الجناب العالي مع الدعاء بمضاعفة النعمة‏.‏

وهذه نسخة تقليد شريف بنيابتها‏:‏ الحمد لله الذي جعل لنا التأييد مدداً والنصر عتاداً لا نفقد مع وجوده من الأولياء أحداً والعز وزراً تصم شهبه مسامع العدا‏:‏ فمن يستمع الآن يجد له شهاباً رصداً ‏"‏ والفتح ذخراً فحيث ما نشاء مددنا إليه بقوة الله يداً وشددنا عليه بمعونته عضداً‏.‏

نحمده على نعمه التي جعلت مراتب دولتنا فلكاً تشرق في رتب الأولياء إشراق البدور وثغور ممالكنا أفقاً حيثما شامته العدا ضرب بينهم وبينه من سيوف مهابتنا بسور وفواتح الفتوح النائية دانيةً من همم أصفيائنا فإذا يمموا غرضاً طارت إليه سهامهم بأجنحة النسور ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً يرفع الجهاد علمها وينصر الإيمان كلمها ويزجي الإيقان إلى رياض التأييد ديمها ويستنطق التوحيد بإعلائها وإعلانها سيف أيامنا الزاهرة وقلمها ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الهادي إلى الحق وإلى طريق مستقيم ونبيه المخصوص بالآيات والذكر الحكيم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين نصروا الله فنصرهم وأظهروا دينه فأعزهم وأظهرهم ويسروا لأمته سبل الهدى فهداهم وللسبيل يسرهم صلاةً لا يزال اليقين يقيم دعوتها والتوحيد يعصم من الانفصام عروتها وسلم تسليماً كثيراً‏.‏

وبعد فإن أولى من تفتر الثغور بإيالته عن شنب النصر وترمي الحصون بكفالته من شام من العدا برقها بشررٍ كالقصر وتقسم السواحل بمهابته من جاور من أهل الكفر بحرها بين الحصد والحصر وتمنع عزماته شواني العدا أن تدب عقاربها أو تركب اللجج بغير أمانه مراكبها أو ينتقل عن ظهر البحر إلى غير سيوفه أو قيوده محاربها - من لم يزل في نصرة الدين لامعاً كالبرق شهابه زاخراً كالبحر عبابه واصباً على الشرك عذابه ظامياً إلى موارد الوريد سيفه سارياً إلى قلوب أهل الكفر قبل جفونهم طيفه قائمةً مقام شرف الحصون أسنة رماحه غنية بروج الثغور عن تصفيحها بالجلمد بصفا صفاحه مع خبرة بتقدمة الجيوش تضاعف إقدامها وتثبت في مواطن اللقاء أقدامها وتسدد إلى مقاتل أهل الكفر سهامها وتقرب عليها في البر والبحر منالها وتبعد مراميها على من رامها ومعدلةٍ للرعايا السكون في مهاد أمنها والركون إلى ربا إقبالها ووهاد يمنها فسرب الرعايا مصونٌ بعدله والعدل مكنونٌ بين قوله وفعله‏.‏

ولما كان فلانٌ هو الليث الذي يحمى به غابه والنير الذي يزهى أفقٌ تألق فيه شهابه والهمام الذي تعدي همهه فرسان الوغى فتعد آحادها بالألوف والشجاع الذي إذا استعانت سواعد الشجعان بسيوفها استعانت بقوة سواعده السيوف - اقتضت آراؤانا الشريفة أن نحلي به جيد مملكةٍ انتظمت على وشام البحر وأحاطت بما في ضميره من بلاد العدا إحاطة القلائد بالنحر‏.‏

فرسم بالأمر الشريف لا زال‏.‏

أن يفوض إليه كيت وكيت‏:‏ لما أشير إليه من أسباب تعينه لهذه الرتبة المكينة وتحليه بما وصف من المحاسن التي تزهى بها عقائل الحصون المصونة‏.‏

فليل هذه النيابة الجليلة بعزمة تجمل مواكبها وهمة تكمل مراتبها ومهابةٍ تحوط ممالكها وصرامة تؤمن مسالكها ومعدلةٍ تعمر ربوعها ورباعها ويقظة تصون حصونها وقلاعها وشجاعة تسري إلى العدا سرايا رعبها وسطوة تعدي السيوف فلا تستطيع الكماة الدنو من قربها وسمعة ترهب مجاوريه حتى يتخيل البحر أنه من أعوانه على حربها‏.‏

وليؤت تقدمة الجيوش الإسلامية حقها من تدبير يجمع على الطاعة أمرها وأمراءها ويرفع في مراتب الخدمة الشريفة على ما يجب أعيانها وكبراءها ويرهب بإدامة الاستعداد قلوب أعدائها ويربط بأيزاكها شواني البحر حتى تعتد الرباط في ذلك من الفروض التي يتعبد بأدائها فلا يلوح قلع في البحر للعدا إلا وهو يرهب الوقوع في حبالها ولا تلحظ عين عدوٍّ سنا البر إلا وهي تتوقع أن تكحل بنصالها وليقم منار العدل بنشر لوائه ويعضد حكم الشرع الشريف برجوعه إلى أوامره وانتهائه وليكف يد الظالم عنها فلا تمتد إليها بنان وليشفع العدل بالإحسان إلى الرعية فإن الله يأمر بالعدل والإحسان وفي سيرته التي جعلته صفوة الاختيار ونخبة ما أوضحته الحقيقة من الاختبار ما يغني عن الوصية إلا على سبيل الذكرى التي تنفع المؤمنين وترفع قدر الموقنين وملاكها تقوى الله تعالى‏:‏ فليجعلها أمام اعتماده وإمام إصداره وإيراده والله تعالى يديم مواد تأييده وإسعاده إن شاء الله تعالى‏.‏

  الطبقة الثانية من يكتب له مرسومٌ شريفٌ في قطع الثلث بالمجلس السامي بغير ياء

وتشتمل على وظائف منها - شد الدواوين بطرابلس‏.‏

وهذه نسخة توقيع بها‏:‏ الحمد لله مجدد الرتب لمن نهض فيها إخلاصه بما يجب ومولي المنن لمن إذا اعتمد عليه من مهمات الدولة القاهرة في أمرٍ عرف ما يأتي فيه وما يجتنب ومؤكد النعم لمن إذا ارتيدت الأكفاء في الخدمة الشريفة كان خيرة من يختار ونخبة من ينتخب‏.‏

نحمده على نعمه التي سرت إلى الأولياء عوارفها واشتمل على الأصفياء وافر ظلالها ووارفها ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تزلف لديه وتكون لقائلها ذخيرةً يوم العرض عليه ونشهد أن محمداً عبده ورسوله أشرف مبعوث إلى الأمم وأكرم منعوت بالفضل والكرم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين ولوا أمر الأمة فعدلوا وسلكوا سنن سنته فما مالوا عنها ولا عدلوا وسلم تسليماً كثيراً‏.‏

وبعد فإن أولى ما اختير له من الأولياء كل ذي همة عليه وعزمة بمصالح ما يعقد به من مهمات الدولة القاهرة ملية وخبرة بكل ما يراد منها وفية ويقظة تلحظ في كل ا قرب ونأى من المصالح الأمور الباطنة والأحوال الخفية وصرامة تؤيس من استلانة جانبه ونزاهة تؤمن من إمالة رأيه في كل أمرٍ عن سلوك واجبه ومعرفة مطلعة ونهضة بكل ما إن حمله من أعباء المهمات الشريفة مضطلعة - أمر الأموال الديوانية‏:‏ فإنها معادن الأرزاق ومواد مصالح الإسلام على الإطلاق وخزائن الدولة التي لو ملكتها الغمائم لأمسكت خشية الإنفاق وذخائر الثغور التي مواقعها من أعداء الدين مواقع الشجا في القلوب والقذى في الأحداق‏.‏

ولما كان المجلس السامي هو الذيسمت به هممه ورسخت في خدم الدولة القاهرة قدمه وتبارى في مصالح ما يعدق به من المهمات الشريفة سيفه وقلمه وكانت المملكة الطرابلسية من أشهر ممالكنا سمعة وأيمنها بقعة وأعمرها بلاداً وأخصبها رباً ووهاداً وأكثرها حصوناً شواهق وقلاعاً سوامي سوامق وثغوراً لا تشيم ما افتر من ثغورها البروق الخوافق ولها الخواص الكثيرة والجهات الغزيرة والأموال الوافرة والغلات المتكاثفة المتكاثرة - اقتضت آراؤنا الشريفة أن نرتاد لها من يسد خلل عطلها ويشد عضد ميدها وميلها وينهض من مصالحها بما يراد من مثله ويعيد لها بحسن المباشرة بهجة من فقدته من الأكفاء من قبله‏.‏

فلذلك رسم‏.‏

أن يفوض إليه شد الدواوين المعمورة بالمملكة الطرابلسية والحصون المحروسة على عادة من تقدمه في ذلك‏.‏

فليباشر ذلك بمعرفة تستخرج الأموال من معادنها وتستثير كوامن المصالح من مكامنها وتثمر أموال كل معاملة بحسن الاطلاع عليها وصرف وجه الاعتناء إليها وتفقد أحوال مباشريها ومباشرة ما يتجدد من وجوه الأموال فيها وضبط ارتفاعها بعمل تقديره وحفظ متحصل ضياعها من ضياعه وصون بذارها عن تبذيره وليجتهد في عمارة البلاد بالرفق الذي ما كان في شيءٍ إلا زانه والعدل الذي ما اتصف به ملكٌ إلا صانه والعفة التي ما كانت في امريءٍ إلا وفقه الله تعالى في مقاصده وأعانه وليقدم تقوى الله بين يديه ويتعتمد على توفيقه فيما اعتمد فيه عليه إن شاء الله تعالى‏.‏

قلت‏:‏ وعلى ذلك يكتب شد مراكز البريد ونحوها‏.‏

  الصنف الثاني من الوظائف بطرابلس التي يكتب لأربابها من الأبواب السلطانية - الوظائف الدينية

وهي على مرتبتين المرتبة الأولى من يكتب له في قطع الثلث بالمجلس السامي بالياء وتشتمل على وظائف منها‏:‏ القضاء‏.‏

وبها أربعة قضاة من المذاهب الأربعة‏:‏ من كل مذهب قاض‏.‏

وهذه نسخة توقيع بقضاء قضاة الشافعية بها ينسج على منواله وهي‏:‏ الحمد لله الذي أعز الدين بعلمائه وعضد الحكم بالمتقين من أوليائه وأوضح الرشد للمقتدين بمن جعلهم في الهداية كنجوم سمائه وجعل لكل من الأئمة من مطالع الظهور أفقاً يهتدى فيه بأنواره ويقتدى بأنوائه‏.‏

نحمده على أن جعل سهم اجتهادنا في الارتياد للأحكام مصيباً وقسم لكل من أفقي ممالكنا من بركة علماء قسيمه الآخر نصيباً ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تعصم من الهوى في الحكم لعباده وتفصم العرا ممن جاهر فيها بعناده ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي اضاءت أنوار ملته فاستشف العلماء لوامعها ووضحت آثار سنته فأحرز أئمة الأئمة جوامعها صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين دعوا إلى الله فأجابوا ودعوا إلى الحكم بسنته فأصابوا صلاةً لا تزال الألسن تقيمها والإخلاص يديمها وسلم تسليماً كثيراً‏.‏

وبعد فإن أولى ما أدى فيه الاجتهاد جهده وبلغ فيه الارتياد حده واستضيء فيه بنور التوفيق واستصحب فيه من استخار الله خير رفيق - أمر الحكم العزيز وتفويضه إلى من وسع الله تعالى مجال علمه وسدد مناط حكمه وطهر مرام قلبه ونور بصره في الحكم وبصيرته فأصبح فيهما على بينة من ربه فاجرى الحق في البحث والفتيا على لسانه ويمينه ونزهه عن إرادة العلم لغير وجهه الكريم ونبهه على ابتغاء ما عند الله بذلك والله عنده أجر عظيم‏.‏

ولما خلا منصب قضاء القضاة بطرابلس المحروسة على مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه‏:‏ وهو المنصب الذي يضيء بالأئمة الأعلام أفقه وتلتقي بالفضلاء الكرام طرقه وتحتوي على أرباب الفنون المتعددة مجالسه وتزكو بالفوائد المختلفة مغارسه وكان فلانٌ هو الذي أشير إلى خصائص فضله ونبه على أن الاجتهاد للأمة أفضى إلى إسناد الحكم منه إلى أهله وأنه واحد زمانه وعلامة أوانه وجامع الفضائل على اختلافها وقامع البدع على افتراق شبهها منه وأتلافها وحاوي الفروع التي لا تتنناهى والمربي على رب كل فضيلةٍ لا يعرف غيرها ولا يألف سواها - اقتضت آراؤنا الشريفة أن نجزم من ارتياده لهذه الرتبة بهذا الرأي السديد وأن نقرب سراه إلى هذا المنصب الذي ناداه بلسان الرغبة من مكان بعيد‏.‏

فلذلك رسم بالأمر الشريف - لا زال إحسانه كالبدر يملأ المشارق والمغارب وبره كالبحر يقذف للقريب الجواهر ويبعث للبعيد السحائب - أن يفوض إليه كذا‏.‏

فليطلع بذلك الأفق الذي يترقب طلوعه رقبة أهلة المواسم ويسرع إلى تلك الرتبة التي تكاد تستطلع أنباءه من الرياح النواسم وينشر بها فرائده التي هي أحق أن تطوى إليها المراحل ويقدم بها على الأسماع الظامية لعذب فوائده قدوم الغمام على الروض الماحل ويل هذا المنصب الذي هو فيه بين عدل ينشره وحقٍّ يظهره وباطل يزهقه وغالب يرهقه ومظلوم ينصره‏.‏

وليكن أمر أموال الأيتام المهم المقدم لديه وحديث أوقاف البر من أول وأولى مايصرف فكره الجميل إليهه ويتعاهد كشف ذلك بنفسه ولا يكتفي في علمه فعل اليوم باطلاعه على أمره في أمسه وهو يعلم أن الله يجعله بذلك مشاركاً للواقفين في الأجر المختص بهم والشكر المنسوب إليهم خارجاً من العهدة في أمر اليتامى باستعمال الذين يخشون لو تركوا من خلفهم ذريةً ضعافاً خافوا عليهم وليقم منار الحق على ما يجب وإن سر قوماً وساء قوماً ويقم بالعدل على ما شرع‏:‏ فإن عدل يومٍ خيرٌ للأرض من أن تمطر أربعين يوماً‏.‏

وأما ما عدا ذلك من أحوال الحكم وعوائده وآداب القضاء وقواعده فكل ذلك من خصائصه يستفاد ومن معارفه يستزاد وملاك ذلك كله تقوى الله وهي من أطهر حلاه الحسنة وأشرف صفاته التي تتداولها الألسنة فليجعلها وسيلة تسديده في القول والعمل وذخيرة آخرته التي ليس له في غيرها أمل ويقلد العلى فيما حدثته من أسباب نقلته فإن كمال العز في النقل والله تعالى يمده بمواد تأييده وقد فعل ويجعله من أوليائه المتقين وقد جعل بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى‏.‏

قلت‏:‏ وعلى ذلك تكتب تواقيع القضاة الثلاثة الباقين‏.‏

ومنها‏:‏ وكالة بيت المال‏.‏

وهذه نسخة توقيع من ذلك وهي‏:‏ الحمد لله الذي عمر بيت مال المسلمين بسداد وكيله ونمو تحصيله ومزيد تمويله وتمسكه بالصدق من قيله وسلوكه ما تبين من سبيله واعتماده الحق في دليله ودفعه المضار وجلبه المسار بتخويله‏.‏

نحمده على بره وتفضيله ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلهٌ تنزه عن نده ومثيله ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي بعثه الله لتمام هذا الدين وتكميله وأنزل عليه المعجزات في تنزيله وحفظ به الذكر الحكيم من تبديله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وقبيله وسلم تسليماً‏.‏

وبعد فإن بيت المال المعمور هو نظام الإسلام وذخر الأنام وفيه محصول المسلمين تحت نظر الإمام وفيه مادة المجاهدين في سبيل الله على تطاول الأيام وإليه تجبى القناطير المقنطرة من الأموال وعنه تصدر المبيعات من الأملاك ما بين أراض وأبنية ومحال‏.‏

والوكيل على ذلك عنا بالمملكة الطرابلسية المحروسة هو الذاب عن حوزته القائم بتأمين روعته المجتهد ف تمييز رجعته وينبغي أن يكون من العلماء الأعلام الأئمة المعول عليهم في الأمور المهمة البصير بما يترجح به جانب بيت المال المعمور ويكشف كل غمه العريق في السيادة التي انقادت إليها السجايا الجميلة بالأزمة‏.‏

ولما كان فلانٌ هو الراقي هضبة هذه المآثر الطالع كوكب مجده السافر المستحق لكل ارتقاءٍ على المنابر ويعد سلفاً كريماً نصيراً في المفاخر ويمت ببيتٍ بحره زاخر وله في مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه بحثٌ فاق به الأشابه والنظائر وعنده علمٌ بالمسائل المضروب مثلها فليباشر هذه الوظيفة محترزاً في كل ما يأتيه ويذره ويقصده ويحرره ويورده ويصدره ويبنيه ويقدره ويخفيه ويظهره ويبديه ويستره ويدنيه ويحضره ويقرر جانب بيت المال المعمور بما فيه الحظ الموفور والغبطة في كل الأمور وهو عالمٌ بما فيه صلاح الجمهور ومن رغب في ابتياع أراض وقراح وأبنية وأملاك ورحاب فساح مما هو جار في ملك بيت المال فليوفر جانب القيمة على ما فيه الصلاح وهو بحمد الله من بيت الدين والصلاح والإصلاح وهو يقوي بإسناده الأحاديث الصحاح ومن له حقٌّ في بيت المال فليسمع دعوى مدعيه ولا يصرف درهماً ولا شيئاً إلا بحقٍّ واضحٍ فيما يثبته فيه وهو وكيلٌ مأمونٌ في تأتيه ومعنى الوكيل الذي يوكل إليه الأمر الذي يليه‏.‏

والوصايا كثيرةٌ وأجلها تقوى الله بالسمع والبصر واللسان فمن تمسك بها من إنسان فإنه يفوز بالإحسان وهو غنيٌّ عن الوصايا بما فيه من البيان والله يجعله في كلاءة الرحمن بمنه وكرمه‏!‏‏.‏

والخط الشريف أعلاه‏.‏

إن شاء الله تعالى‏.‏

قلت‏:‏ وقد يكتب لوكالة بيت المال ونحوها بالافتتاح بأما بعد على قاعدة أصل الكتابة في قطع الثلث‏.‏

والكاتب في ذلك على ما يراه بحسب ما يقتضيه الحال‏.‏

  المرتبة الثانية من تواقيع أربا الوظائف الدينية بطرابلس _ من يكتب له في قطع العادة مفتتحاً برسم

- وهذه نسخة توقيع من هذه الرتبة بوظيفة قراءة الحديث النبوي على قائله أفضل الصلاة والسلام لمن اسمه يحيى يستضاء به في ذلك وهي‏:‏ رسم بالأمر الشريف - لا زال رميم الفضل بأرواح عنايته يحيا وأحاديث مننه الحسان تعيها أذنٌ واعيةٌ من طيب السماع لا تعيا ولا برحت أولياء خدمه تثني على صدقاته بألسنة الأقلام وتدير على الأسماع من رحيقها كؤوساً مسكية الختام - أن يستقر في كذا استقراراً ترشف الأسماع كؤوس روايتها فلا تروى ورتب كماله يقصر عن طلوعها كل باعٍن فمناواته لا تنوى وربوع معروفه لا تبيد وآيات صلاته ينطق بتلاوتها كل بليغ فيبديء ويعيد لأنه العالم الذي أحيا من مدارس العلوم ما درس والفاضل الذي أضاء ببصر علومه ليل الجهل ولا غرو‏:‏ فطرة الصبح تمحي آية الغلس والكامل الذي لا يشوب كماله نقيصة والأمثل الذي أتته المعالي رخيصة والإمام الذي تأتم وراءه الأفاضل وتأخر عصره ففاق الأوائل ما درس إلا وجمع من فوائد أبي حنيفة وابن إدريس ولا عرس بليل الطلب إلا حمد عند إدراك طلبه ذلك التعريس ولا أعاد الدروس للطلبة إلا وترشحت منه بالفوائد ولا جمع ما فصله العلماء إلا وأتى بالجمع الذي لا نظير له في الفرائد‏.‏

فليباشر هذه الوظيفة مباشرةً أنوار هداها لا تخمد وليلازمها ملازمةً تشكره عليها الألسنة وتحمد وأنت - أدام الله تعالى فوائدك - لا تحتاج إلى الوصايا إذ أنت بها علام وبأسبابها متمسكٌ وبالقيام بها يقظٌ غير نائم لكن التقوى أولى بمن عرف الأمور ولباس سوابغها يبعد كل محذور والاعتماد على الخط الشريف أعلاه‏.‏